وهو على الرغم من تكبده مبلغا من المال، لإنشاء باب كبير عند مدخل بيته، تحت إلحاح زوجته، لكنه لا يزال مقتنعاً بعدم جدوى إغلاقه، ليلا نهارا. فكان أكثر ما يزعجه، اضطراره للوقوف أمام هذا الباب الحديدي الأسود، ضاغطا زر الدخول، وانتظار أن تفتح له الزوجة من الداخل.
هم من سكان إحدى قرى شمال لبنان، سمعوا بالحرب وخافوها، لكنهم لم يعانوا عن قرب ويلاتها. لا تزال فكرة الخطر بعيدة عن فكرهم وعن منزلهم. لا يجدون ضرورة لإغلاق الأبواب، ولا حتى للوقوف عندها. ربما ينبع ذلك الشعور بالأمان من طيبة في قلوبهم، أو من رغبة في عدم تصديق ما يجري، انطلاقا منهم، ومن عيشهم بهدوء.
الفاكهة والخضروات تحيط بالمنزل من كل صوب، ولكل موسم منها نصيب، فلا يكاد موسم ثمرة الأكادينيا يأفل بصحبة البازيلياء والفول، حتى يطل موسم التوت الشامي والبري، ومن خلفه العنب والتين والرمان… فاكهة تشهد نضارتها على سخاء الأيدي وعنايتها بها. أما الخضروات فتجتمع جميعها في صحن تبولة أو جمعة أقارب على أكلة فتوش. ولكل نصيبه من ثمرات هذا الحقل وهذه الروح، ومن حطب الشتاء للتدفئة.
لا ضرورة لإغلاق الباب، ولا جدوى من إقناع صاحب البيت من خطر قد يفتك بالبلدة وبالبيت. فالروح نقية والعيشة هانئة. فهل ينتصر من يحاول الدخول خلسة أم أن للقلوب دفاعا قد يتهدم في حقبات سوداء ليعود ويبني ذاته بعد برهة ؟