لماذا قانون الانتخاب؟ تغرّك العناوين، والبرامج، والتحوّلات، والتبدّلات الّتي يشهدها المجتمع اللبنانيّ بين انتخابات وأخرى. هل تفرح؟ طبعًا لا، لأنّ الكهرباء ستنقطع وأنت تشاهد المذيعة الجميلة تزفّك هذا الخبر السّعيد. أو أنّك ستقع في حفرة وأنت تقود السيّارة على الطريق العام السّريع، وأنت تستمع إلى هذا الخبر الهامّ عبر إحدى الإذاعات.
وفي أحسن الأحوال لن تستطيع تنزيل الخبر على هاتفك بسبب خدمة الانترنت البطيئة في بلد الديمقراطيين. هلّلوا يا لبنانيين! انتقلتم من طور العائلات إلى طور الأحزاب! ماذا ينقصكم بعد! ها أنتم في عداد الدّول العظمى حيث للأحزاب دور فاعل، بعيدًا من هيمنة العائلات وسلطتها التقليديّة المتخلّفة.
دخلتم عالم الديمقراطيّة، والانفتاح والتحرّر. فلا شيء تشتكون منه بعد اليوم. ولا ضرورة للدّخول في التفاصيل، كأن نتّهم الأحزاب بأنّها لا تقوم بدورها الإنمائي على الصّعد كافّة، أو أنّ ديكتاتوريّتها تفوق ديكتاتوريّة العائلات والقبائل… ناهيك عن الفساد والسّرقات والتزلّم والارتهان. يا لها من دولة لا تشبه دولة. وبعد، ينتهي القيّمون على الأحزاب من خوض انتخابات، فيبدأ البحث في أخرى، يحملون المستندات والملفّات ولوائح الشّطب، للبحث في قانون انتخاب جديد يؤمّن لهم التمثيل، والسّؤال: لماذا قانون الانتخاب؟ ولماذا يتحوّل المواطن إلى مجرّد اسم مدوّن على لوائح الشّطب؟
الإجابة تكمن في علاقة المواطن بزعيمه السّياسيّ، الّذي انتخبه مرارا ومرارا، وكرّسه زعيمًا غيرَ مسؤول. مواطن ليس بمواطن، هكذا يراه السّياسيّ، اسم على لائحة الشطب، لا يرقى إلى مستوى المطالبة بحقّ. مواطن لا يُحاسِب زعيمَه ولا يُسائلُه. بل على العكس، يتنازل عن حقوقه، ويحوّلها خدمات، يمِنّ عليّه نائبُ منطقته بها.
والمشكلة في هذا النوع من المواطنين بالتّحديد. مواطنون يعطون الثقة من دون تفكير أو حساب، ثقة في غير محلّها يدفع فاتورتها كلّ مواطني البلد. لماذا قانون الانتخاب وجميع الأحزاب ممثّلة في المجلس النيابي والوزاريّ. بالناقص واحد بالزائد واحد ما بتفرق! وسلوك الأحزاب كافّة أثبتَ ذلك.
لماذا قانون الانتخاب، ولم نجِد فيكم مَن يُصلِح وضعًا، ومَن يُخطّط لمستقبل، ومَن يَدعم مبادرة؟ لماذا قانون الانتخاب ولم نجِد فيكم مَن يدافع عن حقوق المواطنين وأمنهم، ويطوّر إمكانيّات البلد، ويفتح المصانع، ويُسَيّر وسائل النقل العام؟ لماذا قانون الانتخاب، وليس فيكم مَن هو صاحب قرار؟ لماذا قانون الانتخاب، وهموم المواطن في ازدياد، والهجرة في ازدياد والفساد في ازدياد والجريمة في ازدياد وعبء اللّجوء في ازدياد؟ لماذا قانون الانتخاب ونحن نخشى أن لا نجد قوت غدنا؟ نخشى على أمنِنا، على صِحّتِنا، على تعليمِنا، على الإنسانِ فينا، على وطنِنا؟
ولأنّنا نعرفكم، جيّدًا، نعرف أنّ عهدنا القادم هو قانون انتخاب جديد، وأعذار واهية جديدة، والدّخول في صراعات جديدة، وخسائر جديدة، وتكتّلات جديدة، وانتخابات جديدة، والنتائج قديمة، مؤلمة تحثّنا على السّعي إلى البَدء مجدّدًا من تحت الصّفر. مَن يهمّه التّغيير، لا ينتظر قانون انتخاب كي يبادر. ومَن يتحمّل المسؤوليّة، يقوم بمهامه، بكلّ أمانة، احترامًا لِمَن وثق به وانتخبه. لو أنّكم بخير لكان لبنان بخير!