“هجرة الآلهة والمدائن المجنونة” (دار سائر المشرق) رواية ثانية جديدة للباحثة نتالي الخوري غريب، بعد روايتها الأولى، “حين تعشق العقول”. تطرح أسئلة، نعيش اليوم أزمات خاطفة، جرّاء عدم الإجابة عنها منذ عهود. أسئلة حول ما ترسمه المعتقدات في صوَر الآلهة، متجاوزة حدود المكان بين يدَي الزمن.
* روايتك الثانية، “هجرة الآلهة والمدائن المجنونة”، تحكي قصّة رجل دين في الحرب السورية، وتأخذ أبعادا فلسفيّة وإيديولوجيّة تعكس حياتنا اليوم. وتأتي استكمالّا لروايتك الأولى “حين تعشق العقول”. كيف ترين إلى علاقة الإنسان العربي بالدين؟
– سأبدأ من الشقّ الأوّل في السؤال. نعم، هي استكمال للأزمات الإيمانيّة والأسئلة المقلقة الوجودية التي يعاني منها إنساننا المعاصر. هي البحث عن الحقيقة في إطلاقها، البحث عن اليقين الشافي الذي يرضي العقل والقلب معًا، وهو ما يحاول الإنسان البحث عنه، فيلجأ الى الفلسفات والايديولوجيّات يريد حصنًا يقيه تفلّت العقل الجموح الذي ما عادت ترضيه إجابات الدين. أما علاقة الإنسان العربي بالدين، فتعلّق بموروث مقدّس لا يُسمح له حتّى بأن يناقش فيه. كانت الرواية الأولى خروجًا عن المرسوم لها للبحث عن الخلاص خارج الأديان التوحيديّة. في الرواية الثانيّة إمكانات تحقيق العدالة الإلهيّة في ظلّ الإرهاب والقتل والتوحّش باسم الدين وباسم الله على مرأى الضمائر المتديّنة المخدّرة.
* نعيش في واقع مأزوم عربيّا، وإن انطلقت روايتك من مكان ما (سوريا) لكنّ الحال تعمّم. اتخذتِ من الحرب في سوريا، الدائرة في كلّ مكان، قضيّة لتقولي ماذا؟
– تنفضح الأزمات الأخلاقيّة والروحيّة والدينيّة في الحروب، ويظهر انهيار المعايير الاخلاقيّة بسبب الحروب، التي تعني غياب السلطة، أي غياب العقاب والمحاسبة، وغياب الضمير أو الرادع الأخلاقي الناتج من الضمير الديني في مجتمعاتنا. لسنا في صدد مناقشة هل الدين في خدمة الأخلاق أم العكس، لكن، في غياب محاسبة السلطة، لا أخلاق في الحرب. لا رادع يوقف الناس عن شرّ انتقامهم، ففوضى الحروب كما كلّ فوضى تسمح بإظهار الشرّ من النفوس، ليصار إلى الإضاءة على إشكاليّة نعانيها، هل الحروب هي التي خلقت هذا الشرّ الكبير في الإنسان، أم أن هذا الشرّ موجود ينتظر الفرصة المناسبة لإظهاره.
* طالبتِ بوضع خطّة طوارئ لتقارب المفكّرين، ترسيخًا للقواعد المشتَرَكة بينهم من أجل التغيير. هل هذا ممكن؟
– يشهد التاريخ أنّ الحروب لم تنته يومًا، فالصراع لا يزال قائما من أجل التسلّط أو الاستعمار وغيرها من الأسباب التي لا تنتهي. التغيير سيبقى ممكنًا على أيدي مفكّرين يستنهضون الناس في سبيل رفعة أوطانهم. مفكّرون يضعون خططا ميثاقيّة بمثابة خريطة طريق، ينتهجها الناس حين يرونهم قد وحّدوا جهودهم وآمنوا بقدرتهم التغييريّة أوّلا. الفكر المبني على العقل والمنطق قادر على مخاطبة عقل الناس كما وجدانهم، وهذا عمل المفكّرين، رسالتهم، وواجبهم. عليهم ألا يتعبوا، ونحن نرفض أن يتآكلهم اليأس لأنّ الوطن بحاجة إليهم، فليقوموا ببناء ثقافة الأولويّات ووضع قواعد مشتركة توحّد جهودهم من أجل استحداث منظومة تحاكي وجدان العامّة والشباب وعقولهم للنهوض بالوطن والارتقاء بالذات.
* ننتقل إلى “حركة إصدار ونقاش”، حركة ثقافيّة نقديّة، من تأسيسك ومجموعة من الأساتذة الجامعيين والطلاب. ما الذي تعملون عليه من خلالها؟
– نطمح من خلال هذه الحركة أن تكون أقرب إلى أكاديميّة نقديّة، يتمّ فيها تنمية الحسّ النقدي لطلابنا عبر المتابعة الدائمة للإصدارات الجديدة ومناقشتها مع مؤلّفيها، وبذلك تكون في المرحلة الأولى صلة وصل بين الطلاب والكتّاب، وتاليًا تكون لهم الفرصة كأصحاب اختصاص لتنمية الملكة النقديّة لديهم من زاوية علميّة، فتكون لهم آراؤهم ودورهم في المشهد الثقافي والنقد العام.